هل واجهتك صعوبات أثناء رحلتك البحثية؟

 




هل واجهتك صعوبات أثناء رحلتك البحثية؟

        طُرح هذا السؤال في القناة التليغرامية "دردشة بحثية" وأُتبع بعبارة "حروفكم وتجاربكم قد تكون إنقاذ لغريق كاد أن يستلسم.." فتحفّز قلمي بعد ركود، وشاركتُ في الإجابة أملًا في الإفادة، أو على الأقل حُزتُ شرف المحاولة:

        لابد أن نتفق بدايةً أن من الصعوبات ما هو نسبي؛ فنحن لا نملك نفس السمات الشخصية ولا الاستعدادات النفسية ولا الخبرات الحياتية نفسها.. وهذا يُعرف بقراءة هذه الصعوبات والسماع من أصحابها..

        وهذا السماع يفيد المتحدث لأنه قد يتلقى نصيحة ملهمة، ويفيد السامع في أن يُدرك نعمة الله عليه بأن عافاه من صعوبة ما، أو نعمة الله عليه في حصوله على الوعي والاستعداد الكافي لتجاوز صعوبة ما ذكرها المتحدث بينما السامع لا يراها شيئا..

        وقد لاحظتُ أن التخصصات تختلف اختلافا ليس بالهين في طريقة كتابة أبحاثها، وكذلك تختلف في الحِمل والضغط النفسي لمسؤولية الموضوع نفسه.. فضغط المشاركة في ابتكار دواء يختلف عن ضغط المشاركة إبراز فلسفة جمال، وضغط المشاركة في الحكم على عقيدة إنسان من خلال تراثه يختلف عن ضغط المشاركة في إبراز جهود إنسان ودوره في الأدب. وقد علم كل أُناسٍ مشربهم، والكل مطلوب.. ولكن القصد أن هناك حِملًا ومسؤولية في بعض المواضيع أكثر من البعض الآخر، مما يُشكل صعوبة مَزيدة لأناس دون آخرين.

        سأكتفي بذكر صعوبتين واجهتاني في الماجستير باعتبار أنني لم أنهي الدكتوراه بعد.. وأسأل الله لي ولكم التوفيق:

        ١- لم أجد حسب اطلاعي طوال أول سنتين من الرسالة بحثا ينحو بنفس فكرة بحثي وصياغة عنوانه؛ والصعوبة هنا انعدام النموذج أو القالب البحثي المنظم للخطوات والتفكير، فلم أعرف أبدا كيف أدخل إلى الكتابة! بل كيف أختار المطالب! في حين أن اطلاع الباحث على دراسات -ولو في الحقول الموضوعية القريبة من تخصصه- يرحمه من عناء ابتكار الخطوات الكتابية..

        وظل هذا -وغيره- معيقا عن البدء في مرحلة الكتابة لوقت طويل.. إلى أن يسّر الله لي زميلة قالت لي: "اكتبي بالطريقة التي ترينها أنسب، ثم اذكري الخطوات التي تبعتها في المقدمة." وسبحان الله رغم أني استشرت غيرها الكثير، لكن طرح الله في كلامها البركة على سهولة ما ذكرته وبدهيته.. انشرح صدري لنصحها وفعلا قمت بذلك والحمد لله.

        ٢- بعد تسجيل موضوعي -وأثناء الاغتمام بالصعوبة الأولى- يسّر الله وقدّر أن أُوظّف معيدة في جامعتي.. فلما حدث ذلك انشغلت بالعالم الجديد وتحدياته: التحضير، محاولة إيصال المعلومة، مسؤولية توزيع الدرجات ورصدها، التعامل مع مختلف أنواع الناس سواء الطالبات أو غيرهم، محاولة استيعاب الأنظمة الحاكمة للعمل الأكاديمي وكيفية سيره.. لم أكد ألحق شيئا من ذلك إلا وأتت كورونا، وتلتها مطالب وظيفية جديدة أحتاج إدراكها ثم ممارستها على الفور! قد يبدو الأمر سطحيا.. لكن بالنسبة لي على الأقل كان وضع الأستاذ الجديد يختلف تماما عن وضعية الطالب.. الطالب هو محور العملية التعليمية وهو تحت رعاية الجميع، سواءً التزمت الجهات المعنية أم لا.. أما الأستاذ فلا. فجأة وجدت نفسي المسؤولة، ولا يُتعامل معي أني الابنة التي تحتاج إلى التوجيه والمراعاة، بل في موضع مَن يتخذ القرار ويُسأل ويُحاسب... الخ. هناك برامج تهيئة لأعضاء التدريس الجدد، لكني مع حداثة وضعي وطروء كورونا أخشى أنني فوّت البرنامج مما زاد من حيرتي.. ولم يكن لي حينها إلا الاسترشاد بنصائح أستاذاتي وزميلاتي في كثير من الأحيان، وهذا يُحرج المرء في بعض المواقف.. كنت منشغلة بالتحضير والممارسة الفعلية لواجبات الأستاذ، وللأسف لم تُبقِ هذه الأجواء تركيزًا للرسالة.. إلى أن فعّلتُ وضعية الضغط، واستثمرت المهارات الجديدة التي تعلمتها من التدريس والوظيفة؛ لأقول (لا) لبعض المهام الإضافية الجديدة، وبهذا الرفض ولله الحمد أدركتُ إنهاء الرسالة في الوقت المحدد.

        أقرأ هنا وهناك العديد من الصعوبات المؤلمة كثيرًا.. والتفاوت في ذلك والتفاوت في الاهتداء للحل، كله من جُملة الأرزاق المقدّرة.. وعلى من يطلع أن يتأكد يقينًا أنه ليس وحده؛ فلكل صعوبته الخاصة.. والمهم أن نتعلم جميعًا طرق باب الله ليعيننا على إنهاء المرحلة وييسرها لنا، والأهم أن يتقبّل منا هذا الجهد والوقت.. فيا حسرة من أنفق لباب أوقاته، ولم يكن ذلك بموازين الآخرة إلا هباءً منثورًا.

        يسّر الله أمري وأمركم، ووفقنا أجمعين.

 

Image by Freepik


تعليقات