شَذَرَات الـمِرقَـاة
للدكتور سليمان العُبودي كتاب صغير الحجم عظيم النفع أسماه (الـمِـرقَـاة)*، وهو حصيلة تأملاته لتساؤلات ومشكلات مرتبطة بسبيل طلب العلم، وقسّمها على أربعة: التكوين العلمي، وآثار الجدل الخفية، وغيوث الإيمان الربانية، وبعض الآفات القلبية.
الكتاب يحتوي على مشكلات
معاصرة بنات هذا الوقت، فتشتد الحاجة إلى معرفة الطريق القويم للتعامل الشخصي
معها، ولن يعدم الطالب أدبًا ولغةً؛ يكتسبهما بالوقوف التأملي مع الكلمات
والعبارات، فضلًا عن الوقوف عند المعاني الـمُدهشات.
ورأيتُ أني لو لم ألخص الأقسام الأربعة
فأقرّبها للقارئين حاليًا؛ فلا أقل من حَفز هِممهم للاطلاع عليه من خلال شذرات
أنتقيها من الكتاب، فتُوقفهم على شيء من أفكاره.
فدونكم إياها على أمل أن تُقبلوا، كما
قال الشاعر:
"أقبِل على العِلمِ
واستقبِل مَقاصدَهُ فَـــأولُ
الـعـــلـــمِ إقـــبـــــــالٌ وآخِــــــرُهُ"
v "العلم
كلما استقرّت أصوله حول بابٍ ما؛ لانَت فروعه" ص17.
v "العلم
كلما كثُر سهُل حفظه، وقادت أصول المسائل رقاب أخواتها داخل الذهن" ص19.
v "من
وسائل ضبط الأصول... التلخيص والاختصار" ص20.
v "الاستنباط
قدرٌ زائد على الاستحضار، والاستنباط هو استحضارٌ مُركّب من استذكار الدليل
والدلالة" ص32.
v "طالب
العلم إنما تعلّم وعانى ليعرف الجواب حال الحاجة إليه، فإذا لم يستحضر الدليل أو
لم يتذكر المعلومة التي بين جنبَيه؛ فاتت عليه الثمرة" ص45.
v "الذهن
الإنساني يتكيف ويعتاد ما حُمل عليه، فإنه إذا أَلِف ثقيل العلم وأصوله؛ سهُل عليه
ما سواه" ص54.
v "لا يمكن لـمَن أرخى سمعه ثم انطبعت في ذهنه -أولًا- هذه الصور
المتخيّلة المصممة لتتلاءم مع الذائقة التعددية المعاصرة أن ينتقل بسهولة إلى
الضفّة القرآنية المقابلة، وهي تلك التي تُصوّر المنافقين بكل وضوح" ص64.
v "من
المعارف دُورًا للسُكنى ومنها حدائق للنزهة، والعاقل مَن يبني الدار قبل رصفِ
البساتين!" ص58.
v "معيار
الإثارة يجب أن يتنحّى بعيدًا عن ورقة التقييم الشرعي، وأن يظلّ في منأى عن
الإشادة به مجردًا عن عامل إصابة الحق" ص75.
v "الإشكالات
بحرٌ متلاطم كثرةً، فلو كان سيتتبع خيوط الإشكالات المعقّدة ليُجيب عنها كلها
لربما التف خيطٌ على عنقه فلم يؤمن بشيء البَتّة لوجود تساؤلات مُلقاةٍ على قارعة
كلِّ طريق" ص77.
v "مَن
نظر في تصرفات المحققين من أهل العلم وجَدهم لا يتوقفون عند سطح المقالات وإنما
يتغلغلون لملامسة جذورها، ويكون الحكم مُتوجهًا للقول وظروف ولادته جميعًا"
ص82.
v "تلك
الدقائق التي تصرفها في إعادة الاعتبار لذاتك هي ضائعة بحسب الميزان العمري
للإنجاز، تلك الأحبار التي تسكبها بحماسة لتبقى مكانتك عاليةً سامقةً في نفوس بشرٍ
مثلك هي تافهة بحسب معدل القيمة والإنتاج" ص92.
v "مَن
استغرق في الذود عن حياض نفسه واسترسل عقله في افتعالِ الحجج ونظمها في هذا؛
انحلّت من نفسه شيئًا فشيئًا عُرى الغضب للدين وشرائعه" ص94.
v "الإصلاح
الحقيقي الذي يُبدد كيد الشيطان حين يُزيّن الشهوات يبدأ بتغيير مسار المعرفة
بالاشتغال على عمارة القلب بالمعاني الشريفة، ومن شأن هذه المعاني أن تُزاحم ما
يُضادّها وتطردها عن استيطان حِمى القلب" ص105.
v إن
طبيعة السالك استعجال أوان الثمار، لاسيما مع لوعة الغُربة ومُفارقة العوائد. ص130
بتصرف.
v "المزهوُّ
بِعلمه الـمُدلُّ بمعارفه قد وضع في قلبه حجازًا داخليًا يحول بينه وبين الانتفاع
بما استهان به" ص144.
v "أكبر
خديعة ربما التهمَها طالب العلم في بدايات الطريق استشعاره أنه لا يفصله عن مقامات
الأئمة إلا قراءة بضعة كتب وحفظ عدة متون واستظهار بعض الشروح!" ص147.
v "حينما
يغيب الاتزان النفسي تطول الألسنة حيثما يجب أن تقصر، وتلغ الأقلام حينما يجب أن
تتنزّه!" ص153.
هذه الشذرات لا تُغني عن كامل المِرقاة؛
غير أنها لا تعني مُدّعي المحبة، بل تعني صادقها، المُتبع لما قرأ بشيءٍ من الإصلاح
والعمل؛ ولا بأس بالقليل، فإن القليل يتبعه قليل آخر فكثير، وعند نهاية كل عَقد يحمدُ
المُهذِبُون لأنفسهم المُربّين لها على الجادّة؛ أن وفقهم الله وأعانهم على مِعراج
الطريق.
انتقاء: جُمانة كُتْبِـي
29 / 2 / 1447هـ
* الطبعة المعتمدة في الإحالات: ط2/ دار الحضارة - الرياض، 1438هـ - 2017م.
Image by Freepik
تعليقات
إرسال تعليق