إليكِ مع المحبة

 


إليكِ مع المحبة

لعله جمعَتنا علاقة قوية في مرحلة ما أو عابرة؟ ربما تعارفنا واقعيًا أو افتراضيًا؟ بل لعلنا لم نجتمع في الحياةِ مرة بالمرة! ورغم هذا أجد إرسال هذه الرسالة لكِ لِزامًا، وبث ما في صدري إليكِ احتياجًا، فالنصُّ قد تمّ أولَ مرةٍ لصاحبتِه وبُعث، ولم يعُد بيني وبينكِ إلا تمريرَ الشاشة وإتمامَ القراءة.

كتبتُ هذه الرسالة حقًا بعد تفكير طويلٍ، كتبتُها وليس لدي أدنى فكرة عن ردة فِعلك، ولا كيف تفهمين كلامي، وسواء أتممتِ قراءة رسالتي أو لم تُتمّيها، تقبّلتِها أو لم تتقبليها، فلن يغير هذا في حياتي شيئًا... ولكني أبعثها لكِ، ولا أعرف هل ستصدقينني إن قلتُ أني كتبتُها لكِ مع المحبة؟

ما مظاهر المحبة؟ المساعدة عند الحاجة؟ التّفقد بعد طول غياب؟ أنا هنا أختار مَظهرًا آخر، وهو تمنّي الخير لـمَن أحب، فمن لازم هذه المحبة أن أذكركِ: بأن ربَّنا قد فرض علينا الحجاب، ولن ينفعني ولا إياكِ ارتفاعُ المؤاخذة البشرية، ولا التوسع في الحرية الشخصية.

اليوم وقد تركتِ الحجاب كُلّه، دِقّه وجُلّه، ولم يبقَ منه إلا (طقوس) في الأماكن التي تطلبه! حين أصبح هذا الحال؛ حاولتُ -بعد وقتٍ طويل- أن أستجمع بعض الشجاعة، وأصبّها في هذه الرسالة، التي أريد فيها أن أهمس لكِ همسًا يسيرَ الحرف عظيمَ المعنى: أن ليس هذا مما يحبه الله ولا يرضاه منكِ.

وإنّ أصعب ما في الأمر أني لا أعلم أي مدخلٍ أدخلُ به إليكِ؟ فأنتِ في نهاية المطاف مسلمة عربية؛ لستِ بأجنبية عن معرفة الدين والتربية عليه، فلا أعرف هل تركتِ الحجاب مع إقراركِ بالخطأ ورجاء العودة؟ أم طرَأت على ذهنكِ شُبهات غيّرت في فكركِ شيئًا؟ أنا لا أعلم هل تركتِ الحجاب فقط أم تركتِ أشياء أخرى؟ أرجو أن لا تستغربي من أسئلتي، فإني أخشى أن يكون الحجاب شيئًا من أشياء أكثر أهمية.

فإن كنتِ تركتِ أشياء أخرى أو قرأتِ ما لبّس عليكِ؛ فأريدكِ أن تعلمي -باختصار- أنكِ في الماكياج الذي تضعينه على وجهك، ويظهر في صوركِ على الملأ؛ أنتِ لا تضعين إلا أحسَنه وأجودَه، وحين كنتِ تتعلمين التزيّن تعلّمتيه من محترفين عارفين بخطواته وفنونه، فلِمَ لم تفعلي الشيء نفسه مع دينك؟ لـِمَ لم تأخذيه من عالمٍ به؟ مُجيد في معرفته وضبطه؟

هل تراكِ تتساهلين بنفس الطريقة حين تختارين شركة الماكياج أم تختارين الأكثر ثقة؟ لماذا حين صار الموضوع دينيًا أخضعتِه لهواكِ؟ هواكِ هنا يتمثّل في أن الناس حينما كانوا يتحجّبون تحجبتِ، وحين لوّنوه لوّنتِ، ثم حين خلعوه خلعتِ! هل من شخصيتكِ أن تكوني مع الناس على أيّ حالٍ كانوا؟ لا أحسبكِ هكذا، فهل يا ترى تتبعين فكرة (مخالفة القطيع) أو (التفكير خارج الصندوق) ونحو ذي الحجج؟

هل تعلمين أن القرآن نفسه ذم تقليد الآباء؟ -أظنكِ تعرفين مُسبقًا- ولكن الفرق بينه وبين الفكرة في المقولات السابقة، أن القرآن يعطي معيارًا موضوعيًا دقيقًا، ولا يمدح مخالفة الآباء لمجرد المخالفة، تأملي في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170] فالتقليد المذموم كان كصورة تقليد كفار قريش الذين يتبعون دين آبائهم لا لصوابٍ وحقٍ فيه، ولا لرُشد يتضمنه ويدل عليه، بل اتباع تقليدي لأن الأمر مريح، حتى لو كان الأمر في نفسِه خاطئًا، ولا علم لآبائهم فيما كانوا عليه!

فمَن ترك شيئًا من الإسلام عمومًا؛ لأنه يظن أنه يُعمل عقله، فيُخالف مجتمعه، فهذا أيضًا تقليد لأجل هبّة المخالفة والتفرد، وليس لأجل التفكر في حقائق الأمور وبواعثها وعواقبها، والصواب أو الخطأ فيها.

أما إن كان ترككِ للحجاب -مع إقرارك بوجوبه- ومع رجائكِ للعودة وسؤالكِ للهداية؛ فهذه أخفُّ الحالتَين فالحمد لله، وأسأل الله لي ولكِ الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى، ولكن لتعلمي أنّ كل مَن شجعكِ على تركه -بشكل مباشر أو غير مباشر- سيتبرأ منكِ ومن معصيتكِ، ولو كان الآن أصفى صَفيّ، وأقربَ خليل. ولا انتشار المعصية سيهوّن شيئًا من جزائِها يوم القيامة؛ وذلك لأن الله تعالى قد أبان الأسس -في هذه المسألة- وغيرها، فاقرئي القرآن وتتبعي بنفسكِ كيف وصف الله العلاقة بين الجنسين فيه كله؟ واقرئي سورة النور والأحزاب، ثم فكري -مع نفسك- هل يتسق حالكِ مع الحالةِ التي يريدها الله مني ومنكِ؟

أتعرفين ما أكثر آية أستحضرها دائمًا حين يطرأ طاري الحجاب وما يُشابهه من مسائل؟ آية كالنبراس، تأمليها في الحال والواقع، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧]، تأمليها جيدًا، وأسألُ الله أن يُبصّرني وإياكِ بالحق والصواب، وأن يهدينا ويُصلحنا أجمعين، وأن يتوفّانا مُسلمين، وأن يجعلنا ممَن يستمعون إلى القول فيتبعون أحسنه، وأن يغفر لنا التقصير والزلل، وأن يعاملنا بما هو سبحانه أهله، لا بما نحن أهله، والحمد لله رب العالمين.

محبتـك/ جمانة كتبـي،

12 - 9 - 1446هـ




Image by Freepik

تعليقات

  1. جزاك الله خيرا🤍

    ردحذف
  2. بردَّ الله على فؤادك وصب الراحة والطمأنينة عليه صبًا صبًا🌧️

    جمّلكِ الباري بكل خير، وزادك توفيقًا وسدد قلمك👌🏻

    ردحذف
    الردود
    1. أحسن الله إليكم، وأجاب دعواتكم، وأسأل الله لكم مثلها وزيادة.

      حذف
  3. جزاك الله خيرا 🤲🏻

    ردحذف
  4. آمين آمين, أحسن الله إليكِ صديقتي الغالية تغريد، شكرًا لقراءتك ووقتك ودعواتك.

    ردحذف

إرسال تعليق