أهم ما يُفترض أنك تعلمته في الجامعة


أهم ما يُفترض أنك تعلمته في الجامعة


علينا أن ندرك أنه أيًا كانت الجامعة التي ارتدناها فقد كانت حياتنا الجامعية حافلةً بالتجارب المفيدة، التي تعلمنا من خلالها مهارات جديدة، أفادتنا في حياتنا شعرنا بذلك أم لم نشعر. ورغم كثرة الفوائد والمهارات وتنوعها إلا أنني أود أن ألفت الانتباه لأمر أزعم أنه أهم ما يُفترض أننا تعلمناه.. "القراءة"! نعم.. القراءة..

أليس من الغريب أن يدرس الطالب والطالبة سنوات - أقلها ربما ثلاثة – ثم لا يتعلم من بعدها أن يقرأ الكتب؟ وكيف يحمل المرء شهادة جامعية وهو لم يتعلم أن يجعل قراءته لكتابٍ أمرًا يمارسه باعتيادية؟ لماذا تصيبنا الدهشة ويعترينا الإعجاب حين نتعرف على طالب قارئ؟ وربما نسأله حين نرى مكتبته (أحقًا قرأت كل هذا؟)؟ أليست قراءته – ولو تنوّعت - وهو طالب أمرٌ من المفترض أن يكون طبيعيًا؟ إن رأيتم أنها أسئلة يصح التعجب منها؛ فتابعوا معي..

قالت لي زميلة جامعية: "لم أقرأ طوال حياتي كتابا كاملا"! مرّ على شهادتها على نفسها أربع سنوات.. ولا تزال مقولتها عالقةً في ذهني، أتعجب منها..! فأنا أزعم أننا لو لم نتعلم في الجامعة أن نقرأ الكتب في مستقبل حياتنا فقد خسرنا الكثير.. وأقول "الكتب" – المطبوعة والإلكترونية - لأنه شئنا أم أبينا ما يزال الكتاب هو الوسيلة الأساسية للتثقف الجيد[1] – ولا تقليل من أهمية الوسائل الأخرى - .

يقول أ. د. عبدالكريم بكار[2]: "إن الذي يدعو الإنسان إلى مزيد من التعلم، هو العلم نفسه، إذ إنه كلما زادت المعرفة، اتسعت منطقة المجهول. والتقدم نفسه يعمل على زيادة حاجة الإنسان الشديدة إلى المعرفة؛ حيث إن التوغل في حقول المعرفة، يتيح إمكانات ومجالات جديدة، ويولِّد دوافع جديدة للتقدم الأوسع نطاقًا." وهذا لا ينكره عاقل منصف.. فالمرء كلما ازداد علمًا ازداد معرفةً بجهله، ازداد تصورًا لحجم المعلومات التي يجهلها، ازداد اندهاشًا من قصوره على نفسه.. فكيف والحال أننا في الجامعة نأخذ "مفاتيح العلوم" ثم تُخرِّجنا الجامعة على أمل أن نلِج أبواب العلم – فالعمل - بالمفاتيح التي أعطتنا إياها؟

إنني أقرّ أن "اعتياد القراءة" عادة مبنية على عدة عوامل، مثل: التنشئة الأسرية، والتعليم المدرسي الواعي، وكون الكتب في متناول اليد وغيرها.. لكن كل هذا في كفّة، ودخولك الجامعة في كفّة أخرى..! الجامعة أفق آخر يتبّدى لك، فرصة سانحة للاعتياد على غير المعتاد! مَن لم يكن منظما يستطيع أن ينتظم، مَن لم يكن صاحب قرار يستطيع أن يصبح، مَن لا يعرف كيف يكتب سطرين يستطيع أن يتعلم كيف يكتب صفحة! ومَن لم يعتد القراءة قبل الجامعة يستطيع أن يبدأ باعتيادها (لو استوعب أهميتها).

لمَ الجامعة بالتحديد؟ كثير منا لا يجد صعوبة في إدراك تأخرنا في العالم العربي عن المستوى القرائي في العالم الغربي.. ونظرًا لأن هذا التأخر مبني على عوامل؛ أجد أن المحيط الجامعي مهيئ لمواجهة كثير من عوامل العزوف عن القراءة! ليفكر المرء منا ويسأل "ماذا احتاج لأقرأ؟" لن نختلف في الجواب: "نحتاج وعيًا بأهمية القراءة، وهدفًا نجنيه منها، كما نحتاج بيئة محفزةً للبدء والاستمرار عليها، ونحتاج مَن يناقشنا فيها، ورفقةً تعيننا عليها، ونحتاج كتبًا لكي نقرأها!..." بل وحتى مَن يتعلّلون بالوقت ليمتنعوا عن القراءة، أقول لهم: الوقت متوفر في الجامعة فأنت مَن تُعدّ جدولك! كل هذه الاحتياجات لبدء القراءة متوفرة في الجامعة، ولعلك تتأمل فتبتدئ بمصاحبة الرفقة وهي تدلك على الباقي.

ولعل بعض الجامعات يَفْضل بعضها على بعض في هذا الجانب.. فالجامعة ذات المكتبة الكبيرة المتنوعة، والأساتذة الناصحون المتابعون، يكون تأثيرها أكثر وضوحًا وإيجابيةً. وحتى الطلبة النشيطون، الذين ينشؤون الأندية الطلابية، ويكوّنون المجموعات القرائية، ويقيمون الفعاليات الثقافية.. لا يخفَ أنهم على أقرانهم في العمر أشد تأثيرًا. وهذا مثارٌ للإعجاب والإشادة، ودعوة للاقتداء والمنافسة.

وبعد أيها القارئ.. أنا أتحدث عن (الجامعة والقراءة) لا اتحدث عن نوعية المقروء ولا كمّه! ولا أن القراءة لا تبتدئ قبل الجامعة، ولا أنها حِكرٌ على الجامعيين.. ولا أنها دعوة لقراءة سطحية لأجل القراءة! إنما عرضتُ ههنا علاقةَ لزوم رأيتها بينهما..! وكل ما سبق من حثٍّ على القراءة، وتشجيع للدعوة إليها بمختلف الوسائل المذكورة.. لا يعني بحال حث عليها بغير دليل ونهج! فإنما تؤتى البيوت من أبوابها، ومن الخير أن تعلم "أين أنت؟" لتبدأ من حيث توقفت؛ فتمشي وقد اتخذت من توجيهات أهل الخبرة دليلًا لك حتى حين. فلا نريد – مع شدة حاجة الأمة للقارئ – (القارئ الإمّعة) الذي يكون بوقًا.. لا يميز فيما يقرأ بين الطيب والخبيث، فيتعلم ما يضره ولا ينفعه.. فنحن نريد (المسلم القارئ) الذي تكون القراءة عنده (وسيلة) لتحقيق الأهداف التي ترضي ربه، وتخدم دينه وأمته.

أشدّ على يديك أيها الطالب الجامعي القارئ الواعي.. وأكرر على مسمعَيك أهمية استشعار ما تقوم به.. من تطوير وتثقيف دائمين غير منقطعين! فإن من الظواهر السلبية في مجتمعاتنا العربية أن عددًا من الخرِّيجين قد توقفوا عن القراءة بعد تخرجهم![3] وأكاد أجزم أنهم ما استشعروا أهمية استمراريتهم..!

أيها المتخرّج.. عليك أن تعلم أن الشعوب التي توصف اليوم بأنها متخلفة.. تشترك - من ضمن ما تشترك فيه - بأن بين معظم أفرادها وبين الكتاب نوعًا من الجفاء![4] فإن كنت هجرتَ الكتاب يوم علّقت شهادتك.. فقد ظلمت نفسك ومجتمعك! أمتك بمجموعها بحاجة لكل فردٍ واع بواقعه، عليمٌ بتخصصه.. وهما المقصودان النبيلان من الجامعة التي تُخرّجك للعمل.. فأنّى لك بالوعي والتخصص دون الكتاب؟



جمانة ثروت كتبي
7/ 4/ 1437هـ





[1] شاهد: حلقة (القراءة) من برنامج (علّمتني الحياة) د. طارق السويدان.
[2] انظر: القراءة المثمرة / د. عبد الكريم بكار.
[3] راجع: كيف تقرأ كتابا؟ / للشيخ محمد المنجد.
[4] راجع: القراءة المثمرة.







تعليقات