علمني السفر

 

 

علّمني السفر..

أن القرآن مهمٌ جدًا، فهو بوصلة الإنسان، ودليله، وسائقه إلى ما ينبغي أن يكون.

بدونه.. سينسى الطريق!

 

أكّد لي السفر..

أن التعليم الديني ليس مجرد درجات ونجاح ورسوب.

قوة التعليم الديني تنبني عليه: طريقة حياة الإنسان (لو عمل بما علِم).

 

علّمني السفر..

أن السباحة عكس التيار على المستوى التطبيقي الواقعي؛ صعبةٌ جدًا!

يحتاج المرء قوة وعزيمة وإيمانًا يقينيًا حتى يستطيع مخالفة الشائع بين الناس. يحتاج لذاكرة حديدية وصبر شديد ليستحضر دائمًا أن العبرة ليست بالعدد، وأن الدنيا زائلة.

 

أكّد لي السفر..

أن (المقارنة) بابٌ عظيم من أبواب التعلّم؛ إن استخدمت في بابها الصحيح.

وأن (التأمل) هو محطّ تفاوت الناس في المواقف المتشابهة.

 

علّمني السفر..

أن تراحم الناس فيما بينهم؛ نعمةٌ عظيمة.. تستوجب شكرًا جمًّا وحمدًا كثيرًا لمن قسّم بين خلقه رحمةً واحدة. وأن قدرًا كبيرًا من الخير باقٍ في الناس ما رحم بعضهم بعضًا.

 

أكّد لي السفر..

أن من المكونات المركزية لشخصية المرء (بيئته)، وأن قدرًا كبيرًا من المسؤولية يقع على الزوجين حين يختاران مكان عيشهما. فالمكان المختار سيؤثر في شخوص أولادهما حتى النهاية.

 

علّمني السفر..

أن الدنيا جميلة مبهرة، لكن تحتاج باستمرار لتذكير نفسك:

" لماذا أنا هنا؟" بدون هذا السؤال، سينقلب جمالها عليك نكدًا وندمًا.

 

أكّد لي السفر..

أن الإنسان مغترٌ بذاته! يحسب أنه فريدُ دهره، وأنه المخلوق الذي لم يُنجب مثله..

بينما الناس كثير، والهموم كثير، والآمال كثير، والعمل كثير، وكل الناس يغدو ويسعى.. ليبقى الأمر في محصّلته كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم "فبائعٌ نفسه، فمُعْتِقها أو مُوبِقُها".

 

علّمني السفر..

أن المرء منا معميٌ عما بين يديه من نِعم ينفرد بها، في حين أنه مشغولٌ مهمومٌ بِعدّ ما عند الناس! بل وحزينٌ على فواتها عليه! لو فقط أدرك أنه ما حاز هذه الدنيا أحد؟ لو فقط عَمل بالتوجيه الرباني {ولا تمدّن عينَيك..}؟

 

أكّد لي السفر..

أن (السعادة) = (معنى غير محسوس) وهي في قلب المرء، لا بين يديَه.

 

علّمني السفر..

أن هناك شيئًا من القوة والجرأة يكتسبهما المرء فيه.

وشيئًا من الشعور بالغُربة وبعض الضعف؛ يحفزّان على التجلّد واستفراغ الوُسع للهدف المراد.

 

أكّد لي السفر..

أن (اللغة) نعمةٌ عُظمى، وقيمةٌ مُثلى! لا باعتبارها وسيلة تواصل وتفاهم..

بل باعتبارها شعورٌ بالأمان؛ حين يتيقن المرء قدرته على التعبير.

 

عّلمني السفر..

أن سماع صوت الأذان نعمة؛ ينبغي ألا يُفرّط فيها.. وأن تعظيم شعائر الله حقًّا وصدقًا هو من تقوى القلوب.

 

أكّد لي السفر..

أن (التّعلمن) و(السيء من العولمة) مستمران إلى ما شاء الله..

لا يتوقف مدّهما إلا عند نفسٍ واعيةٍ أخذت على عاتقها مجاهدة نفسها حتى تلقى ربها.

 

علّمني السفر..

أننا بلا شك أقوى حين نكون معًا، ونسير معًا، ونأكل معًا، ونفرح معًا.. وأن مَن أراد فرقتنا أراد في الحقيقة إضعافنا.

 

أكّد لي السفر..

أن أخلاقك هي ما سيبني موقف الغرباء والعابرين عنك.. وأن كلماتك ونبراتك ولباسك كلها علامات سريعة مختصرة تخبرهم "مَن أنت" حتى لو لم تقصد، حتى لو كنت أنت أكثر مما ظنوا أو أقل.

 

علّمني السفر..

أن مفارقة الإنسان لما اعتاده وألِفه؛ دُربة له للتبدل والانتقال، فدوام الحال من المُحال! يدرك كثيرٌ منا هذا نظريًا، ويشقّ عليهم قَبوله عمليًا.

 

أكّد لي السفر..

أن السعي لامتلاك بيت الأحلام أولى من السعي للسفر بين البلدان.. فمهما كان الأمر.. لا يوجد مثل بيت الإنسان. وأن الاستقرار نعمة، والعودة إلى مكانك في وقتك المعتاد شيء لا يُقدّر بثمن.

 

علّمني السفر..

أن الذين أعلى تطوير الذات مبدأ الاستحقاق لديهم؛ مساكين! شغلوا أنفسهم وضرّوها بقولهم "أنا أستحق كذا وأستحق كذا".. ما رأوا عباد الله الطيبين، شُعثًا غُبرًا، عاملين لقُوتهم ليل نهار إلا قليلًا! ولو سألت أحدهم عن حاله؛ لقال لك مِلأ فمه وقلبه: "الحمد لله الحمد لله".

 

أكّد لي السفر..

أن للإيمان بأسماء الله وصفاته أبلغ الأثر في حياة الإنسان، فالرب جلّ وعلا واحد، يسمع ويرى في كل زمان ومكان.. مَن عرف هذا لم يغيّره السفر إلا للأفضل.

 


جمانة بنت ثروت كتبي

2 - 9 / 5 / 1444هـ

تعليقات