دروس غير مثمنة



دروسٌ غيرُ مُثمّنة




         "في مبنى ط -د حاليًا- الدور الأول، مكاتب عضوات هيئة التدريس الجناح الثاني من جهة الجوهرة والأول من جهة الجسر، أول مكتب مفتوح في اليمين" هكذا كنا نصف موقع تلك الغرفة ذات الأمتار المحدودة.. مكتب د. سعاد  -حفظها الله ومتّعها بالصحة والعافية- إذ كانت تفتح لنا بابها؛ لتعلمنا في عشرين أو ثلاثين دقيقة على طريقة القدماء، لتربينا -من حيث لا تشعر ربما ولا نشعر- على محبة العلم والانتماء إليه.. وهو الشيء الذي لا تستطيع أن تعلمنا إياه كثير من الصفوف النظامية.

         "فاضت المشاعر وتهيضت الأحاسيس" لذلك المكتب.. الذي فيه تعرّفتُ على ابن قتيبة، وجمال الدين القاسمي، وابن هشام، وفيه تعاملتُ مع تفسير ابن كثير دون أن يكون مُزيِّنًا للبيت في رفّ المنزل. هناك انعقدت هيبةُ علم الحديث في قلبي، بل واللطيف أني هناك تعلمتُ كيف أقرأ السند بشكل سليم لم أمارسه في محاضرات مقرر (علوم الحديث).

في ذلك المكتب الصغير في الصباح الباكر، ما بين السابعة والنصف والثامنة.. حيث لم تحضر كثيرٌ من الأستاذات بعد.. هناك ارتبط قلبي بـ: سمية ومريم المصريتين، وعهود وشروق اليمنيتين، وأبرار وصفية البلوشيتين، ونجوى الحضرمية، ونادية الباكستانية، ، وندى الكندية.. رفيقاتي المتميزات.. حيث رؤيتهن بذاتها- مشجعٌة لي على الجد مطلع ذلك اليوم. هناك إجابة سؤال أخي التعجبي: "ليش صاحباتك مو سعوديات؟!" يا أخي هناك لا نكترث.. هناك انصبغنا بلون واحد، نصفّ الكراسي ونناول بعضنا الكتب، والتي سريعًا ما نتركها في ذات المكتب تخفيفًا للحمل، إذ نضعها بعد الدرس في دولاب الدكتورة، ثم نهرول حينًا.. ونركض أخرى.. إلى محاضراتنا المختلفة.

هناك الباب مفتوح إذ أبواب أُخَر كثيرة لا تزال مغلقة..

هناك العيون ناضرة إذ أعينٌ كُثر ما زالت ناعسة..

هناك عشتُ عمليًا كيف يقرأ الطالب على شيخه قراءةً جيّدة بيّنة، حتى يُوقفه الشيخ شارحًا ومعلقًا ومنطلقًا في أجواء النص.. من ذلك المكتب اكتسبتُ عادة كتابة "بلغ" متبوعةً بالتاريخ عند موضِع توقف القراءة..

تعلمتُ هناك ما لم أتعلمه في بكالوريوس التعليم النظامي! مثل:
-      أن السيد أحمد صقر محقق جيد.
-      أن اختلاف التحقيقات مؤثر في قراءة بعض أجزاء النص.
-      سيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام.
-      أن من العلوم المفردة بالتصنيف: مُشكل القرآن ومُختلف الحديث.
-      أن (ماجه) علم أعجمي، فيُكتب ويُقرأ حين الوصل (ابن ماجه) لا (ابن ماجة).
-      أن النطق الصحيح لـ(قبوله) = (قَبَول) لا (قُبُول) بدليل قوله تعالى: {فَتَقَبّلَها ربُّها بِقَبُول حَسَنٍ} [سورة مريم].

دكتورة سعاد -أسعدَها الله- التي لم أدرس معها بشكل نظامي أبدًا، هي أكثر الأستاذات تأثيرًا في شخصيتي وعلمي. والرفيقات التي توثقت علاقتي بهن في دروسها الصباحية؛ هن الأقرب لقلبي وشخصي الجامعي حينها، ولولا اختلاف التخصص فيما بعد ذلك لَتَوثّق قلبي بهن أكثر. على أننا الآن وقد أصبحنا جميعًا -تقريبًا- في الماجستير بفضل الله وتوفيقه قد نراجع بعضنا في التخصصات، ونسلم على بعضنا بحرارة في المناقشات والدورات، في جوٍ لا تفهمه "الباقيات".

هذه تدوينةٌ شاعريةٌ، وخاطرةٌ أخويّة، غرضها رَجْرَجَةُ الذكريات وتَدفِيقُ الأحاسيس، وحثّ الألسن لهجًا بالتسبيح والحمد على ما أنعم الله وقدّر. ولِتعلم د. سعاد أن بناتِها الطالبات لسن محصوراتٍ في القاعات النظامية في جو المقررات الدراسية.


فيضُ مشاعر كان قبل سنتين أو أكثر بقليل.. عن أيام ماضية بعيدة.أُلهمتُ نشرها اللحظة: 
الأحد 6 / 7 / 1441هـ
جمانة ثروت كتبـي



تعليقات