رمضان والحج






رمضان والحج

مقالةٌ هَجَمَت على نفسي



         اليوم هو الثالث من رمضان 1440هـ.. والذي منذ ابتدأ؛ تسيطر عليّ في بعض لحظاته ذكريات متعلقة بحجة فريضتي! دعوني أخبركم بسبب سيطرة تلك الذكريات عليّ الآن "تحديدًا"، وأعدكم أني سأختم بالفوائد التي تَعنِيكم...

أ/ في عام 1436هـ في محاضرة مادة (وسائل تعليمية) ضمن برنامج (الدبلوم التربوي)، وقفَتْ أستاذة المقرر معنا وقفةً لا أذكر مناسبتها! قالت: "بناتي.. إنتم من بنات مكة، ما يصلح تكونوا وصلتم لهذا العمر وما حجيتم فريضتكم! اللي ما حجّت تبدأ تجمع من مكافأتها عشان تحج فريضتها..." ولا أدري هل وقع كلامها على قلوب الباقيات كما وقع على قلبي؟ لقد جعلتُ تلك الكلمات حلقةً في أذني.. واتخذتُ قرارَين: سأحج في حملة نسائية، وسأجمع مال حجتي بنفسي....([1])

         ممتنةٌ لوالدي الذي أذن لي أن أخوض هذه التجربة.. وممتنةٌ لوالدتي التي لم تعترض على ذهابي بمفردي مع خوفها.. أما عن جمع المال فلقد كنتُ سعيدةٌ بهذا القرار الذي جعلني أشعر بشيء مما يشعر به المسلمون بعيدو الديار عن مكة.... الذين يدّخرون القرش والقرشين لأجل رحلة الحج التي قد يحققونها وقد يقطع الموت عليهم سبيلها... طبعًا لا مسافتي هي مسافتهم، ولا تكلفتي هي تكلفتهم! لكني كنتُ أستحضرهم مع كل مبلغ أضعه في (ظرف مال الحج).

ب/ كنتُ مستعدة -ماليًا- للحج منذ سنة 1437هـ، لكن –سبحان الله– كان قد فاتني التسجيل ذلك العام والعام الذي يليه! طوال سنتين حال بيني وبين الحج حوائل هي من قَدَر الله.. هاجس الحج كان عندي منذ كنتُ طالبةً في الثانوية، فمعظم صديقاتي كن قد حججن فريضتهن وهن بعمرٍ مبكر، ولا أزال أذكر كلمة صديقتي خولة في الثانوية: "إنتِ بتدعي يا جمانة؟ ادعي الله إنك تحجي" نعم... والله هذه كانت مشكلتي التي منعتني من الحج، من الثانوية إلى 1438هـ.

         في عام 1439هـ تحديدًا 25 شهر ربيع الثاني، بينما كنتُ أقرأ ما أقرأ لأبحث عن موضوع أسجله كرسالة ماجستير.. ذُكِرت معلومةٌ لا علاقة لها بهدفي من القراءة.. لكنها بقَدَر الله -ورغم بدهيتها- فَعَلت في نفسي الأفاعيل:
((قال الله تعالى: {حم (1) والكِتابِ المبِينِ (2) إنَّـآ أنْزلناهُ في ليلةٍ مُباركةٍ إنَّـا كنَّا مُنذِرينَ (3) فِيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيمٍ (4) أمرًا مِن عندِنآ إنَّا كنَّا مُرسِلينَ (5)} [الدخان]، وهذه هي ليلة القدر قطعًا.... وقال سفيان عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير: "يُؤذن للحجاج في ليلة القدر، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يُغادرُ منهم أحدٌ، ولا يُزادُ فيهم، ولا يُنقَص منهم"..... وذكر يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: "يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر، حتى الحجَّاج يقال: يحجٌّ فلانٌ، ويحجّ فلان.")) ([2]) إذًا: حجاج كل سنة يُعرفون في التقدير السنوي = ليلة القدر!

         فجعلتُ دعائي في ذاك الرمضان: "اللهم ارزقني حجةً مقبولةً مبرورةً، عاجلةً غير آجلة" ثم نعم... رزقني الله حجة عاجلة غير آجلة.. في نفس العام، 1439هـ.

         ج/ كنتُ أجدني محرومةً.. أعيشُ منذ وعيتُ في مكة ولم يرزقني الله الحج! اسأل العاملات المستخدمات من مختلف الجنسيات في جامعتي، إذا انفردتُ بهن في المصعد: "حَجِّيتي؟" فإن قالت: "نعم الحمد لله" حَدّثتُ نفسي: "أنا المكيّةُ المحرومة...." وإن أجابت: "لا، إن شاء الله..." أسرَرتْ: "هي معذورة، فماذا عني؟"..

         كما ذكرتُ سابقًا.. لقد اكتملت بنظري الأسباب التي يمكنني بها الحج -قبل أن أحجّ فعلًا- بسنتين... والمانع في تلك السنتين، اثنان: الأول منهما: عدم دعائي كما أسلفت، أما الثاني: فكان ركوني إلى حولي وقوتي والأسباب المادية من حولي.. فلم أستحضر أن كل أمور الحياة عامة وأمور العبادات خاصة.. هي بحاجة إلى لُطف الله  وتوفيقه لعبده! آهـ.. أخيرًا أدركت: المسألة مسألة توفيق.


         في الحقيقة.. كل ما كتبتُه في المقام الأول هو لنفسي، أردتُ أن أخلّد هذه التجربة، لأذكّر نفسي بدروسها حين أنساها... ثم أردتُ أن أضع خطوطًا تحت الدروس التي على مُتمَنِ الحج الالتفات إليها:

أ/ اجعل حجة فريضتك هي همك، ولا تلتفت لعمرك إن كنت صغيرًا. لا تكن طويل الأمل في هذا الموضوع أبدًا... فمن الناس.. مَن ماتَ مُعمَّرا لكن دون حج مع استطاعته، و "إنّا لله وإنّا إليه راجعون". فابذل الأسباب: انتبه لصحتك، وادخر من مالك، وقبل كل شيء احرص على حياتك حتى لا تلقى الله إلا وأنت حاج.

ب/ ادعُ الله، ادعُ الله، ادعُ الله، تعرّف على أوقات إجابة الدعاء.. ثم تحرّاها سائلًا الله أن "يرزقك الحج"، وانتبه.. فنحن الآن في رمضان المبارك -والذي هو سبب انبعاث هذه الذكريات ومدار تسطيرها الساعة – فاجتهد في الدعاء بما تريد عموما، وبالحج خصوصا.

ج/ اصدق مع الله، وتلمّس مواطن تربيته لك على الصبر إن تأخر حجك وأنت متهيئ -أو تحسب أنك متهيئ!-،  واسأل الله أن لا يكلك إلى نفسك "طرفة عين" فـ"لا حول ولا قوة إلا بالله".

أسأل الله الكريم الوّهاب أن يهبني وإياكم -حججتم أم لم تحجوا- حجةً مقبولةً مبرورة.



كتبته الحاجّة الفقيرة:
جمانة ثروت كتبي
3 / 9 / 1440هـ



([1]) تأخري عن الحج لم يكن إلا لانتظاري لمَحْرَم يحج بي.. ومع كلمة الدكتورة التفتُ لقضية لم أكن منتبهةً لها.. أنا ابنة مكة، ويجوز لي الحج بغير محرم. إذًا لمَ لا أجمع مال حجتي بنفسي وأفاجئ أهلي بصدق رغبتي في الحج عاجلًا دون انتظار تفرغ أحدهم.
([2]) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ابن قيم: (1/ 268-269). ط2/ 1434هـ - دار الصميعي.

تعليقات