لـُـطفٌ واع ٍ



شاركتُ بهذا المقال في مسابقة (أفضل كاتب وكاتبة) من تقديم (النادي الثقافي) بجامعة أم القرى. 


لُطفٌ وَاعٍ





مرّت عشر سنوات على أول مقالٍ كتبتُه، ومع ذلك ففي كل مناسبة تستحث الذهن للكتابة، أستحضر ذلك اللُّطفَ الدقيق والتوجيهَ السديد، الذي أخذ بيديّ إلى عالم الكتابة...

لَطُف لَطافة أي: صَغُر[1]، "ويُعبّر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة، وعن تعاطي الأمور الدقيقة"[2]. هذا التعبير ينطبق على ما قامت به أستاذة اللغة العربية (لطيفة) معلمتي في الصف الأول الثانوي. عرضتُ عليها خواطر كتبتُها سابقًا؛ فتناولَتها بحرص وتأملَتها باهتمام! حتى أخذَتها معها؛ لتأخذ من وقتها ما يليق بحق الطالب على معلمه.

بعد أيام.. أبدَت من الملاحظات ما ينبغي. ثم استدعتني ذات صباح قائلة: "يوجد برنامج معقود حاليًا بعنوان (الأخوة الإنسانية) تُقام عليه مسابقات في عدة فروع، فأرى أن  تشاركي في فرع (المقال)..." فوافقتُ؛ وفاءً لحقّها وشكرًا لثقتها. ثم كان قَدُر اللهِ أن فزتُ بالمركز الأول[3].

كانت لحظة فوزي من اللحظات التي يقرر المرء فيها أن لا ينسى ما حدث ومَن كان السبب. حينها تحوّل المقال من (درس من دروس مادة الإنشاء) إلى شيء (أهتم به)! فأصبحتُ أعلم أن من المقال ما هو (ذاتي) يقوم على تصريحِ الكاتب بتجربة من تجارب حياته، أو عرضِه لشيء من تأملاته، ويقابله (المقال الموضوعي) الذي لا يبيــح فيه الكـــاتب لنفســـه الظهــور، ويركّز على عرض الفكــــرة بشكل حيــادي مجرّد، كمـــا يأمل.[4] وأصبحتُ أحاول التعبير عما أراه يستحق التدوين!

مرة بعد مرة.. محاولة تلو محاولة... تختلف الموضوعات والشعور عندي واحد: شجاعة المحاولة، ومتعة المشاركة، وخبرة التجربة، وقبل كل شيء: مسؤولية الكلمة. فإن نظرتم اليوم إلى تجربتي بعبرة، وتأملتم في رسالتي لبرهة، فذاك لأن الله أنعم عليّ بأستاذتي لطيفة.

وما سُعِدتُ بقراءتي لتعليقات قرّائي إلا ووقفتُ أتأمل: دور المعلم ومسؤوليته والتطلعات التي يرجوها المجتمع منه... فأخرج بنتيجة من تجربتي: أن كل المعلمات[5] اللاتي أثّرن في شخصيتي كن قد فهمنني قبل أن أفهم نفسي! وما كان هذا ليحدث لولا أنهن على قدرٍ من الوعي كبير، ونصيبٍ من التوفيق جليل.

ألستم تستحضرون أسماء مَن كان لـمّاحًا لطيفًا معكم؟ إنّ شكرهم مظنّةٌ لدوام فضلهم، فبالشكر تدوم (النِّعم). فلنقل لهم كما قال القائل:

يا مَن لهم فضلٌ علينا سابقُ                                    شكرًا لكم حقٌّ علينا واجبُ

         الآن.. ماذا لو كان لي ولك شرف المحاولة، فيسعى كل فردٍ منا لتلمّس مكنونات مَن حوله فيلفت أنظارهم إليها؟ ماذا لو أننا لا نحقر من المعروف شيئًا، ولو أن نخبر أحدهم أنه مستمع جيد أو متحدث لبق أو محلل بارع أو خياط ماهر؟ ماذا لو كل منا كان "مرآة لأخيه" يمدحه إذا أحسن وينصحه إذا أخطأ؟ ماذا لو أننا جعلنا من أهدافنا أن نستخرج ممن حولنا أحسن ما فيهم؟

أوَلَيس الوعي بالآخر فرعٌ عن الوعي بالذات؟ إذًا لنكن سببًا في أن يعمل كلٌ لما يُسِّر له.



جمانة ثروت كتبي

9/7/1440هـ





[1] انظر: لسان العرب، لابن منظور: (8/82) ط دار الحديث.
 [2]مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني: (740) ط5/ دار القلم.
[3] راجع كتاب: الأخوة الإنسانية – دراسة وثائقية، لفاتن إبراهيم، (93) بها أسماء الفائزات.
[4] راجع للاستزادة: فن المقالة، للدكتور محمد يوسف نجم: (76-78) ط1/ دار صادر.
[5] ويدخل في ذلك عندي الأستاذات الجامعيات على اختلاف تسمياتهم الوظيفية. وقد كان لي نصيب من التتلمذ على اللطيفات اللماحات منهن. جزى الله الجميع خيرا.






ملحق





هذا المقال إهداء لأستاذة لطيفة، والتي أرسلَت إليّ -أثناء تفكيري في الموضوع الذي أشارك به في المسابقة-  هذه الرسالة الواتسابية:

 
ومن ذلك التاريخ لم أجب رسالتها، وهذا المقال هو الجواب أستاذتي : )





تعليقات

إرسال تعليق