من ثمار قراءة السنة النبوية


من ثمار قراءة (السنة النبوية(


حتى وقتٍ قريب.. كنت أظن كتب السنة النبوية التي تجمع بين ثناياها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، باختلاف أنواعها (الجوامع، والمسانيد، والسنن، والزوائد....) هي كتب مراجع لا تُقرأ من الجلدة إلى الجلدة.

قد يستثنى من ذلك (مجالس السماع) وحفظ طلبة العلم للكتب الصحيحة منها، كصحيحي البخاري ومسلم. ثم أخذ هذا الظن مني يتغير شيئا فشيئا مع معرفة أناس ذوي همة عالية! يحرص أحدهم على قراءة كتب السُّنّة المشهورة، مع علمه بمميزات كل كتاب ومآخذه ومنهج مؤلفه فيه. والهدف من قراءاته - التي قد يتكرر فيها الكتاب الواحد أكثر من مرة - هو معرفة أكبر قدر ممكن من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم (القولية والفعلية والتقريرية) والتي احتوتها مجموع تلك الكتب المباركة. بصيغة أخرى: الدافع حب "مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم".

اليوم وقد وفّقني الله لإتمام قراءة (معالم السنة النبوية) بأجزائه الثلاث، أود أن أشارك القارئ الكريم ببعض الفوائد التي يجنيها قارئ ما في كتاب من كتب السنة؛ لعل كلماتي تصل لهمّة القارئ فتُعليها، فأقول:

·       إن الانتقال من حديث نبوي إلى حديث نبوي يجعل حالة من الجو الإيماني تغشى قلب القارئ.. مع تكراره بشكل يومي تشعر أنك في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسمع منه ذاك الحديث؛ فتتأثر به كما لو قيل لك... فتضحك إن قرأت "ضحك النبي" وتبكي إن قرأت "فبكى"!....

·      قد تمر بأحاديث تعرفها، لكن ستندهش أن حديثين - أو ربما أكثر - قد قيلا في مجلس واحد! لكنك حين درست في صفوف المدرسة درست جزءًا من الحديث بقدر يناسب الدرس، ودرست جزءا آخر من الحديث نفسه في درس آخر - ربما في سنة دراسية مختلفة! ومعرفتك للحديث أنه واحد يجعلك تدرك الترابط بين مواضيع الحديث كلها.
-       مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم "قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لَخلوف في الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه" متفق عليه.

·      قراءتك لعنوان الباب، ومن بعده عدة أحاديث.. بالتدقيق والاهتمام فيها تنمي فيك ملكة "الاستنباط"! فلربما مررت بحديث لم تعرف وجه دلالته على الباب؛ فتتفكر أو تبحث حتى تصل للوجه! ولربما تعرف حديثا ما، لكن ذكره تحت باب محدد لم يسبق أن خطر لك على بال! فتعرف بذلك دقة علماء الحديث في استنباطاتهم.
-      مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين كانوا يتفرقون إذا نزلوا منزلا أثناء المعارك "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان" تحت باب: (تنظيم المعسكر وفضل الحراسة(.

·      مع طول الملازمة لجو مجالس الحديث - داخل كتاب تقرؤه - سترى أنك قد تخطر عليك فائدة (منهجية - تربوية - إيمانية) في حديث لربما تعرفه منذ الصّغر! وما كنت لتستلهم هذا - بعد توفيق الله - دون ذاك الجو الإيماني، الذي نشأ من طول الملازمة.
-      مثاله: حديث الأعرابي الذي بال في المسجد.. قال فيه صلى الله عليه وسلم: "دعوه، وهريقوا على بوله سجلا من ماء..." فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يبادر لعلاج المشكلة بدلا من النهر واللوم.

·      حين تنتهي من كتاب من كتب السنة النبوية، ستدرك قدر "الحِكم" التي ظللت تبحث عنها في كتب الدنيا، وقد كانت من تراثك، وبين أرففك.
-       مثاله: حديث "أحبِب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما" رواه الترمذي. وحديث: "مَن أُعطي عطاءً، فوجد فليجزِ به، فإن لم يجد فليُثنِ به، فمَن أثنى به فقد شكره، ومَن كتمه فقد كفره" حديث حسن، رواه أبو داود والترمذي.

هذا بالإضافة لمعرفة شيء من تفسير آيات القرآن الكريم وأسباب النزول، وبعض أحداث السيرة النبوية وأبطالها..

وبعد، فهذه بعض الفوائد التي جنيتها من قراءة كتاب في السنة (كتاب: معالم السنة النبوية / جمع: الشيخ صالح الشامي) الذي جمع في طيّاته (٣٩٢١) حديثا - منها الموقوف.

فهذه رسالتي من بعد رحلتي في المعالِم.. فدونك أيها المُحب لرسول الله صلى الله سنّته؛ فانهل منها فإنها وحي {وما ينطق عن الهوى * إنْ هو إلا وَحيٌ يُوحى}.

اسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما. والله الموفق.



جمانة كتبي
الجمعة ٢٧ ذو القعدة ١٤٣٦هـ.



تعليقات

  1. جزاك الله كل خير وبارك فيك.. جعلنا الله ممن يعمل بالسنة الشريفة وممن يخدم السنة عملا واتباعا ونشرا.

    ردحذف

إرسال تعليق